إنّ التّدفّق البشري الهائل الذي غمر كل مدن البلاد في الفاتح من نوفمبر 2019، و بصفة خاصّة الجزائر العاصمة، كرّس بلا جدال نفس جديد لحراكنا الثوري مع بداية شهره التاسع. فغزارة التعبئة لم تساعد فقط على الاسترجاع الشّعبي لتاريخ يوم عظيم، بمناسبة الاحتفال بذكراه الـ 56، لكنّها وحّدت أيضا في ملحمة واحدة كفاح الأمس من أجل الاستقلال والسيادة الوطنية مع كفاح اليوم من أجل الحريات الديمقراطية، المساواة والعدالة الاجتماعية. ومهما تضاربت الآراء حول الأرقام، فمن الواضح أنّنا بلغنا عدّة ملايين على المستوى الوطني حيث أكّدنا، دون أي لبس، عن رفضنا للنظام، لسلطة الأمر الواقع الحالية ولاقتراعها الرئاسي المخادع المزمع إجراؤه في 12 ديسمبر القادم.
تمثّل هذه التعبئة الشعبية التاريخية، أحسن جواب لاذع لقائد أركان الجيش الذي كان متماديا، عشية مظاهراتنا العارمة، في تهديداته المتغطرسة و المحتقرة للمتظاهرين واصفا إيّاهم بـ «الشّرذمة» الّتي عارضت أجندته الانتخابية واستمرارية النظام. ولكن غداة تلك البرهنة الشعبية الحاشدة، واصلت سلطة الأمر الواقع هروبها إلى الأمام بأذان صماء. فخرج علينا وزير عدل بوتفليقة السّابق لمرتين، والذي نصّب على رأس اللجنة الانتخابية «المستقلة» المزعومة، معلنا دون خجل عن قبول خمسة مرشحين للمهزلة الانتخابية المقبلة. تضم القائمة خمس شخصيات تمّ انتقاؤها بعناية خاصّة : وزير سابق، وزيران أوّلان سابقان و … حليفان سابقان لنظام بوتفليقة. الأمر يتعلّق، و بكلّ امتياز، بانقلاب على الإرادة الشعبية !
في هذا السيّاق ، الّذي يتّسم بعدم استقرار ميزان القوى السيّاسي بين بقايا نظام بوتفليقة اللّيبرالي-الاستبدادي من جهة وبين الجماهير الشعبية الّتي بلغت نفس جديد من التعبئة من جهة أخرى، تتعاظم الجبهة الاجتماعية والدعوات إلى الإضراب القطاعي أو العام. وهكذا، بعد الإضراب في قطاعات التعليم والصحّة والإدارة العامة في 28 أكتوبر، و إضراب القضاة ابتداء من 27 أكتوبر ثمّ إضراب ومسيرة المحامين في 30 أكتوبر، يتم تسجيل إضرابات عمالية أخرى، مثل عمال ميناء أرزيو النفطي في 3 نوفمبر أو الدعوة إلى الإضراب في سونلغاز وسوناطراك و جميع قطاع الطاقة اعتبارًا من 5 نوفمبر. لكن، و بصفة خاصّة، الإضراب العام هو الذي يلوح في الأفق. فعلا، يبدو أنّ المظاهرات الأسبوعية ليوم الجمعة، وكذلك المظاهرات الطلابية ليوم الثلاثاء، على الرغم من ضخامتها، لم تعد كافية لإسماع صوت الحراك. لذلك، سلطة الأمر الواقع، الغير شرعية والغير قانونية، لا تتمادى في فرض انتخاباتها الرئاسية في 12 ديسمبر فحسب، بل هي تسعى أيضًا لتمرير قوانين ليبرالية، رفضها الشعب بأعلى صوته، مثل قانون المالية 2020 وقانون المحروقات و اللّذان رغم ذلك موجودان على مستوى البرلمان.
نعم، الإضراب العام يلوح في الأفق! قد يكون وسيلة فعالة للنضال من أجل تغيير موازين القوى لصالح الانتفاضة الشعبية. ولكن، يجب التحضير له على المستوى القاعدي مع العمّال و العاملات. وأيضا يجب تنظيمه في إطار أوسع وحدة نقابية تضمّ النّقابات المستقلّة و الهياكل القاعدية المكافحة داخل الاتحاد العام للعمال الجزائريين .(UGTA) هذه الوحــدة هي التّي ستجعل الطبقة العاملة تبرز كقــوة سياســية لا يمكن تجاوزها في أيّ انتقال ديمقــراطـي، و كذلك هي الّتي ستبعث ديناميكية التنظيم الذاتي الشّعبي في كلّ المجتمع. وحدة القــوى هذه، هي الّتي ستفرض إطلاق سراح السّجناء السيّاسيين و الرّأي وإزالة جميع العقبات أمام الممارسة الفعليّة للحريّات الدّيمقراطية. هذه الحركة الموحّدة والتّنظيم الذّاتي، بالاشتراك مع جميع القوى الاجتماعية والسياسية التقدّمية، هي التي ستؤدّي إلى إلغاء انتخابات سلطة الأمر الواقع المقرّرة في 21 ديسمبر القادم و هي التي سوف تفرض مجــــلس تأســـيسي سيـّـادي يمثّل الطّمــوحات الاجتمــاعية و الدّيمــقراطية لأغلبيــة الجمـاهير الشعبيّة.
الخطوة العمّالية.